إنّ أقدمَ الأخبارِ المدوّنةِ عن بشعله وصلتنا عن القرنِ الثانيَ عشرَ، وتذكرُ أنّ بشعله في أيّامِ الفرنجة (الصليبيّين) كانت تابعةً ل"سنيوريّة" البترون التابعةِ إداريّاً ل"كونتيّة" طرابلس. وبعدَ دخولِ العثمانيّين لبنانَ سنةَ ١٥١٦م أصبحت بشعله إحدى قرى ناحية البترون التابعةِ لولايةِ طرابلس. وقد خضعت كسواها من القرى اللبنانيّة ل"الإلتزام" وهو الطريقةُ التي اعتمدتها السلطنةُ العثمانيّةُ لجبايةِ الضرائبِ منَ السكّان. وكانت بشعله في القرنِ السابعَ عشرَ خاضعةً لالتزام آل حمادة. وما إن ظهرت الإمارةُ الشهابيّةُ حتّى أصبحَ الملتزمون من أبناءِ بشعله: حاتم ولد عبدالله وعبدالله ولد بركات... وكانَ الزيتونُ والحريرُ أهمَّ ما تُنتجُه بشعله ويعيشُ من ثمنِهما أبناؤها. وقد عرفَ موارنةُ لبنانَ في القرنِ السابعَ عشرَ مرحلةَ استقرارٍ في ظلِ حكمِ الأميرِ فخر الدين، فظهرَ في بشعله آنذاك رجالٌ مشهورون كانَ أوّلَهم أبو رزق البشعلاني الذي عيّنَه والي طرابلس حسن باشا الأرناؤوط سنةَ ١٩٤١م "كاخية" له أي مسؤولاً عن ممتلكاتِه، فقويَ نفوذُه ونفوذُ أخيه ليشملَ بلادَ عكّار والزاوية والجبّة... إلى أن دخلَ الحسدُ والوشايةُ صدورَ رجالِ الأرناؤوط فوشَوا به للوالي، فقتلَه بحدِّ السيف بعدَ أن تمكّنَ من إبعادِ أخيه وأبنائه إلى كسروان، حيث مكثوا سنواتٍ يترقّبون فرصةَ العودةِ إلى طرابلس. وقد عادوا بعدَ أن تولّى والٍ جديدٌ (حسن باشا)، فتقرّبَ منه كبيرُهم الأميرُ يونس فعيّنَه كاخيةً له حتّى وقعَ كوالدِه سنةَ ١٦٩٧م ضحيّةَ الحسدِ والغدرِ، فقبضَ عليه الوالي، فاضطرَّ أن يطلبَ الإسلام ليخلّصَ إخوتَه وأبناءَه. وبعدَ أن أبعدَهم إلى كسروان جاهرَ بمسيحيّتِه أمامَ الوالي والجميعِ فرُفعَ على الخازوقِ وماتَ شهيداً.

وقد برزَ من بشعله أيضاً في أواخرِ القرنِ الثامنَ عشرَ شيخُ صلح بشعله المدعو طنّوس الشدياق الذي وكّلَه أهالي بشعله على أمورِهم وأملاكِهم بموجبِ وثيقةٍ شهيرةٍ عُرفت بوثيقةِ "عامّيّة لحفد". والعامّيّةُ هي ثورةٌ أعلنَها الفلّاحون على الأمير بشير الشهابي سنةَ ١٨٢١م، فتمنّعوا عن دفعِ الضرائبِ الجائرةِ التي فرضَها (الجزّار) الوالي آنذاك، فأرسلَ الأميرُ بشير جيشاً لقتالِهم، إنتصروا أوّلَ الأمرِ في موقعةِ لحفد الشهيرة وأظهرَ طنّوس الشدياق البشعلاني بطولةً كبيرةً، ولٰكنّ جيشَ الأميرِ تمكّنَ من قتلِه وقتلِ رفاقِه بعد بطولاتٍ ومطاردات. وإلى جانبِ هؤلاء ظهرَ في بشعله رجالُ دينٍ وفكرٍ وأدبٍ عديدون كانَ منهم خرّيجو مدرسةِ مار يوحنّا مارون في كفرحي: أمين عبدالله العشّي، أنطون سليمان يوسف، أنطون شديد سليمان، أنطون حنّا حنّا، منصور طنّوس فارس، يوسف حنّا حنّا، الخوري حنّا مارون، الخوري إسطفان شديد، الخوري طانيوس أبي حنّا، والخوري أسقف بولس مارون...

ومن أبناءِ بشعله البارزين آنذاك المطران جرجس حبقوق تلميذ المدرسةِ المارونيّةِ في روما، والمطران يوحنّا حبقوق الذي تركَ مؤلّفاتٍ كثيرة والخوري إسطفان شديد الثاني صاحبُ الزجليّةِ الشهيرةِ التي يصفُ فيها مآسي الحربِ العالميّةِ الأولى.