لم يدع الواجب يوما أهالي بشعلة الا و لبوه أكثر من المتوقع، خاصة متى كان النداء دينيا و وجوديا". و ان كانت الذاكرة البشرية لا تسترجع الاّ الأعوام القليلة الماضية،يوم هبّ شباب البلدة للدفاع عن الوطن بمواجهة مشاريع التهجير ؤ التوطين المضاد وقد وصل عددهم يوما" الى 140مقاتلا" في الميليشيات المسيحية، و استشهد منهم اثنان طوني عبد الأحد جعجع و جوزف جميل الهاني،فانّ المكتوب منه يوثّق توقهم الى الحرية و الاستقلال و بالتلي التأهب دوما لمناصرة و تأييد كل من يجسّد مبادئهم أو يترجمها.و خير دليل على ذلك استشهاد أبي رزق البشعلاني عام 1654و ابنه يونس عام 1697 و كل من طنوس مارون و موسى وهبة و تادروس و طنوس ابي منصورفي في عامية لحفد عام 1822 و كثيرون غيرهم لاحقا. كما شهادة البطل اللبناني يوسف بك كرم المنقولة عن أتباعه:"وراءه ثلاثة حصون منيعة،هيبته و بشعلة و قلعتها". و سنعرض لكم نقلا عن "تاريخ بشعلة و صليما"، النص الحرفي و الكامل عن العلاقة بين أهالي بشعلة و يوسف بك كرم بقلم الخوري الأديب اسطفان البشعلاني:

فاننا ان نذكر من أخبار بشعلة العامة ما ذكرناه في كتابنا«لبنان و يوسف بك كرم » عما كان بين «بطل لبنان» و اهل بشعلة يوم ثورته على داوود باشا متصرّف لبنان دفاعا عن حقوق الشعب و خلاصته أنّ يوسف بك بعد موقعة أيطو عام 1866 أخذ يتنقّل في البلاد و الناس يرحّبون به الى أنّ حلّ في ديرمار يعقوب بين بشعلة و دوما. فكان يأوي الى قلعة الحصن القريبة و يشرف من علوّها الشاهق على البلاد كلها، ولا يجرؤ العسكر على الدنو منه لأنّ وراءه ثلاثة حصون منيعة: هيبته و بشعلة و قلعتها. وكان كرم يسمّي بشعلة «اهدن الصغيرة» و يحبّ أهلها لما يراه من بسالتهم واقدامهم و لما بينه و بينهم من روابط الولاء والقربى، فانّ مشايخ بني العشي كانوا من أصهار بيت كرم وكان بين رجاله أفراد من بشعلة، منهم طنّوس أبو علوان الّذي شهد موقعة الحدث. وكان أهل بشعلة قد أرسلوا الى كرم بعد موقعة بنشعي الشهيرة ذخيرة وافرة من الحنطة والشعير والسمن والعسل مع15 شابا منهم و هم: يوسف الخوري حنا مارون المعروف بالمشلوح، يوسف حنا الخوري مهنا، يوسف الشدياق، أنطون جبرايل الهاني، قبلان حنا وهبة، مخايل يوسف نخول، ريشا بو حيدر، يوسف فارس ابراهيم، الياس ناصيف الحلو،البدوي بركات شديد، جريس سركيس وهبة، أنطون حنا مارون، يوسف موسى طربيه، بطرس سليمان وهبة، وضومط بركات نصار.

فلمّا وصل هؤلاء الرجال الى كوسبا أطبق عليهم 30 فارسا و200جندي من عسكر داوود باشا فاعتقلوهم و ساقوهم الى طرابلس وباعوا دوابهم وما عليه من الذخيرة. وأسرع بطرس توما البطل المشهور برجاله ل?نقاذهم فلم يدركهم، ولكن تمكّن اثنان من الافلات وأخذوا الباقين الى مركب في البحر وشرعوا يسومونهم أنواع العذاب ليعترفوا بما بينهم وبين كرم. وقد توجه طنوس فارس أبو منصور شيخ صلح بشعلة وطنوس مارون من وجهائها ليشفعا بهم غاعتقلوهما معهم،و اتهموهما بالتجسّس ليوسف بك ومناصرته وأرسلوهم جميعا الى بيت الدين.

الرسول الوفي

تأسست المدرسة الملرونية في روما في العام 1584 وفي العام 1625 أرسل البطريرك يوحنا مخلوف بعثة لبنانيّة مؤلّفة من عشرة طلاب منهم اثنان من منطقة البترون : الأول هو حبيب من بشعلة الّذي لم تفدنا المصادر بشيىء عن اسم عائلته ولا عمّا آل اليه مصيره في ما بعد. أمّا الثاني فهم سمعان بن هارون من تولا الذي بعد ان أنهى دروسه عاد الى البلاد ولبس اسكيم مار انطونيوس في قزحيّا وتميّز بقداسة السيرة واجتراح العجائب بعد موته في بشعلة، كما شهد له معاصره القسّ الياس الغزيري راهب مار شليطا مقبس في زجيلته «مديحة تلاميذ رومية» سنة1699 ، وقد خصّه بعشرة أبيات في حين لم يخصّ غيره بأكثر من أربعة، قال:

وقسّ سمعان تولاني صار قدّيس بالرهبان أريده يطلب من شاني حتى أنجو من الخطيّة قبره في بشعلة موجود بلزق الحائط هو ممدود قبره في بشعلة موجود بيشفي وجع البرديّة قبره يقصده الأعوام فوق منه ينام بيوم واحد من الايام بيشفي من كلّ وجعيّة قبل موته بيوم واحد انباه الله العلي وأكّد كهنة بشعلة فيه تشهد ومعهم أكابر مسمية وهو كان معروف من سيرته من الطاعة ومن غيرته حافظ قانون رهبنته في طهارة و عفويّة.

قبل انتقاله الى بشعلة والاستقرار فيها، تخصص سمعان بن هارون التولاوي بمرافقة الطلاب اللبنانيين الى روما. وفي العام 1641 أرسله البطريرك جريس عميرة ليوصل فوجا منهم بينهم ابنا شقيقته يوسف وبطرس ومعهم التلميذ يوسف الدويهي الذي سيكون فيما بعد أحد أبرز البطاركة الموارنة ومن معاصري الشهيد القدّيس البشعلاني يونس وراوي سيرته وموثّقها.

في أوائل نيسان من العام1669 أوفد البطريرك جريس السبعلي أربعة أولاد منهم اثنان من منطقة البترون هما بطرس بن زيتون من تولا و عبدالله حبقوق من بشعلة الذي قال عنه البطريرك الدويهي: «كان عمره 10سنوات اعتراه الحال ووجع العينين وبعدما درس نصف سنة على مشورة الأطبّاء في أواخر سنة 1677 رجع الى بلاده وأخذ السكنى بدير مار انطونيوس قزحيّا. وفي السنة 1698 مات بتقوى الله. ولعلّه هو نفسه الذي رسمه البطريرك في قنوبين سنة 1682 باسم «حنا بن حبقوق من بشعلة.»